أخبار اليوم

الخميس، 23 سبتمبر 2010

افتحوا العالم أمام أعيننا

منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، أصبح السكن الاجتماعي يشكل أحد الرهانات الأساسية للدولة، بغية ضمان نوع من التوازن السوسيو-اقتصادي داخلها، بعدما تنبهت متأخرة لذلك الارتباط العضوي بين الكرامة والسكن، لتطلق مبادرات عديدة تشجع المنعشين –أو المنهشين- العقاريين على التوجه صوب السكن الاجتماعي. ومن هنا سيبدأ الزحف الإسمنتي الذي سيغير وجه مدن بأكملها، ويغير معها أشياء عديدة داخل البنية السوسيولوجية للمجتمع المغربي.

أتذكر في طفولتي أنه كانت أمام الحي الذي نسكن فيه، مساحات خضراء شاسعة مترامية الأطراف، وكنت كلما صعدت إلى السطح إلا وامتدت أحلامي بعيدا، امتداد اللون الأخضر أمامي، وعندما أخرج إلى اللعب مع أصدقائي تكبر الأحلام، وتتقوى الأواصر بيننا. لم يكن لعبنا مجرد تفريغ لحاجيات سيكولوجية، بقدر ما كان بناء لعلاقات اجتماعية وإنسانية، تتوطد أكثر فأكثر يوم العطلة الأسبوعية عندما تخرج عائلاتنا إلى النزهة، فيمتزج عالم الكبار بالصغار، وينفتح العالم أمام أعيننا.

وفجأة، نبت الاسمنت، وأصبحت كلما صعدت إلى السطح إلا وينغلق الأفق أمامي، "رجل يضرب زوجته، غسيل وسخ على حبل أوسخ منه..." هذه هي الصور التي عوضت أحلامي الكبرى والممتدة. تغير شكل لعبنا الطفولي وطعمه، إذ أصبحنا نلعب في دروب ضيقة تحت وابل من الشتائم والأدعية، التي يسوقها إلينا سكان الحي بسبب إزعاجنا لهم. لقد أصبح لعبنا نقمة جعلتنا ننطوي على أنفسنا ويتغير العالم في أعيننا، لتبدأ علاقاتنا بالتلاشي، ويفترق عنا عالم الكبار أيضا، فلم تعد العائلات تلتقي، وتحول عالمنا الكبير في الحي، إلى عوالم صغيرة معزولة عن بعضها، قبل أن تتيه إلى الأبد.

لعله من المؤسف أن الدولة المغربية أثناء معالجتها لقضية السكن ببلادنا، لم تأخذ بعين الاعتبار أهمية المجالات المفتوحة في بناء الشخصية الفردية، والمنظومة القيمية المؤطرة له، لقد انصب اهتمامها الأساس على الاستجابة لضغط الطلب –طلب المواطنين وطلب مافيات العقار- دونما اهتمام بآثاره السوسيولوجية والسيكولوجية على السكان، إذ غاب عن وعيها خطورة روح الانغلاق والفردانية التي تزرعها أشكال السكن الجديد داخل الفرد المغربي، كما غاب عنها أيضا أن من يولد وينمو في مجالات مفتوحة، تفتح العالم أمام عينيه، يستحيل عليه أن يتحول يوما إلى متطرف، أو حاقد على المجتمع أو الآخر، لأنه ومنذ صغره كان يرى العالم كبيرا، مختلفا أمامه.

وإذا كنا نتفهم عدم مراعاة الدولة لهذه الجوانب فيما مضى بسبب نهجها لمنهج آخر في تسوية القضايا الكبرى، أو لاستفادتها بشكل من الأشكال من مظاهر التطرف والفردانية والانغلاق-التي يكون السكن المعاصر واجثثات المجالات الخضراء اللبنة الأولى في تكونها- في مواجهة قوى المعارضة الحاملة آنذاك لمشروع "تنويري"، فإن ما لا نفهمه هو تجاهل الدولة لهذا الأمر في الوقت الذي أصبح فيه التطرف واحدا من أهم الأخطار التي تهدد الدولة وتوازناتها الأمنية.

إن إعادة الاعتبار للمجالات المفتوحة يعني من بين ما يعنيه إعادة الاعتبار إلى مجموعة من القيم التي أصبحت –منذ زمن- حبيسة جدران السكن الاجتماعي. إنه إعادة صياغة لبعض من قيم الإنسان المغربي بعدما أصبح يعيش مرحلة نكوص تدمر كل ما حولها، وأول ما تدمره هو قيم الانتماء والوطنية والتضامن والإحساس بالآخر، في مقابل زرع أنانية وفردانية مقيتة، لا يمكن أن تساهم أبدا في التأسيس لأي مشروع نهضوي.

وأخيرا نقول للدولة وللمنعشين العقاريين: أيها السادة افتحوا العالم أمام أعيننا، واجعلوا الأحلام تكبر داخلنا، دعونا نحس بإنسانيتنا، الله يرحم بها الوالدين.

يوسف المساتي

مـطـلـعـيـن الـطـوبـيـة

للطوبية معان عدة في لغتنا الدارجة، لكن أشهرها اثنان، الأول يعني نوعا من الآجر يستعمل في البناء، أما الثاني فهو يعني السخرية و الاستهزاء. يبدو إذن أن البون شاسع بين المعنيين، غير أن السياسة الحكومية استطاعت بقدرة قادر أن تجمع بينهما في تدبيرها لقضية السكن في بلادنا.

نعلم جميعا أنه خلال ثمانينيات القرن الماضي توالت سنوات الجفاف على المغرب الأمر الذي سيدفع بالفلاحين إلى هجرة قراهم و الاتجاه صوب المدن، لتظهر بذلك مدن الصفيح، و أحزمة البؤس، و لم تدرك الدولة إلا مؤخرا خطورة مظاهر الانحراف الاجتماعي التي تنجبها هذه الأحزمة، و علاقتها بالتوازنات السوسيواقتصادية، لتطلق مبادرات و مشاريع عدة كان موضوعها السكن اللائق أو الاجتماعي، و هنا تبدأ قصة الطوبية.

في هذه الفترة سيصبح السكن اللائق شعار من لا شعار له، و وسيلة لتحقيق الغنى السريع بفضل الامتيازات التي منحتها الدولة للمنعشين العقاريين أو بمعنى أصح المنهشيـن – من النهش أو الهـيش كما شئتم- العقاريين، الذين حيثما وجدوا بقعة أرض إلا و تسابقوا ليضعوا فوقها الطوبية، و اختلطت الأراضي الفلاحية بأراضي التعمير بأراضي الدولة و اراضي المهاجرين، الكل أصبح صالحا للطوبية، و دخلت مافيات المخدرات على الخط للتمويه عن أنشطتها الحقيقية، و هنا ستبدأ قصة الطوبية بمعناها الثاني.

مكمن الطوبية في هذا الأمر أن الدولة حينما رفعت شعار السكن اللائق أو الاجتماعي، كان موجها للطبقة الفقيرة و الوسطى للاستفادة منه –بحسب ما قيل لنا و الله أعلم- غير أنه و لعوامل عدة لمحنا إلى بعضها -و لم نذكر أغلبها- ارتفعت أسعار العقار بشكل خيالي، بحيث لم يبق له من الاجتماعي سوى الاسم، و مقابل هذا الارتفاع في الأسعار تقلصت مساحات المساكن، حتى لم يبق له من اللائق أيضا سوى الاسم.

هكذا أصبحت مائتا ألف درهم لا تكفي إلا لقفص عفوا أقصد شقة ترفض القردة أن تسكنها،في حين يقوم المواطن المغربي بدفع أكثر من ألف و مائتا درهم شهريا و على مدار عدة سنوات لتسديد ثمن الإقامة فيه، علما أن هذه الألف و مائتا درهم تساوي أكثر من ثلث راتبه الشهري، "واش هذا ماشي تطلاع الطوبية، القفوزا بالثمان و كيقولوا السكن الاجتماعي".

و يحضرني هنا ما سبق أن حدث لوزير السكن احجيرة في مدينة فاس عندما ذهب لتدشين احد الأحياء الجديدة و فوجيء بمهاجمة السكان له و ضربه بالحجارة –أو الطوبية حتى نبقى في صلب موضوعنا- و لكن يبدو أن حجارة سكان فاس لم توقظ احجيرة الإسكان من غفوته، و لم تزل أسعار المنازل ترتفع و مساحاتها تتقلص، و لازال المواطن يتأوه.

أخيرا نقول للدولة و للمنهشين العقاريين:" ابنيوا الطوبية بصاح، و باركة ما اتطلعوا علينا الطوبية، و لا في التالي غادي انرجعوا انسكنوا في الخيام و الغيران، احنا غادي انرجعوا بدائيين ياله، و هاذيك الساعة اشوفوا القرودة إلى ابغاو يسكنوا فهاذاك السكن الاجتماعي ديالكم".

ملحوظة: حتى لا يغضب منا ... و حتى لا نتهم ب.. و ب...، نقول أن العقار بخير و العام زين، راه غير كنا كنطلعوا الطوبية و صافي.

و كل طوبية و أنتم بخير.

يوسف المساتي

فانتازيا: "مجموع السر المعروف لبا عروف"

تقديم: با عروف هو رجل جمع من كل العلوم، تجده في كل الأزمان و الأمكنة، يفتي في كل علم، و يعرف في كل شيء ترك مجموعة من الكتب جمعها المحقق في مجموع سمي ب"السر المعروف لبا عروف" في هذه السلسلة يقدم لنا المحقق أجزاء من هذا المجموع الذي ضم آراء قيمة و نبوءات فاقت توقعات نوستراداموس، كما يطلعنا المحقق على بعض آرائه الشخصية.


الحلقة الأولى:ناري الحلوف غضب، مع تحقيق لكتابي "المختصر في تاريخ الحلوف"، و "فصل المقال و تقرير ما بين الحلوف و البشر من اتصال".

المحقق: أصبح الشغل الشاغل لمنظمة الصحة العالمية هو إيجاد لقاح ناجع لداء انفلونزا الخنازير، غير أنه من وجهة نظري المتواضعة، يستحيل أن يعثر أطباء العالم على لقاح فعال طالما لم يتجهوا للبحث عن الأسباب النفسية لهذا المرض، لذا على الأطباء ان يجيبوا عن السؤال المحوري: لماذا غضب الحلوف و قرر أن ينشر هذا الوباء؟، و أن يصبح اسمه مثارا للرعب في العالم كله؟.

شخصيا و انطلاقا من خبرتي في التعامل مع الحلوف سواء الحيواني أو البشري – الحلوف البشري لمن لا يعرفه هو نوع من الحلوف حدثت له طفرة جينية فأصبح على صورة الإنسان ، و انتشر في المدن و القرى، و شغل المناصب الصغيرة و الكبيرة، و اشتهر الحلوف البشري بارتدائه لربطة العنق صيفا و شتاء، و قد أورد له با عروف كتابا سنعود إليه – أعتقد أن السبب في هذا الوباء هو غضب الحلوف منا نحن البشر، و أغلب الظن أنه –الغضب- جاء نتيجة لاتخاذنا من اسم الخنزير أو الحلوف شتيمة، فمن منا يقبل أن يناديه أحد -مهما كان قريبا منه- بالحلوف أو الخنزير.

هذا الأمر هو الذي دفع الحلوف إلى الانتقام لشرفه فقرر أن يحول اسمه من اسم يثير المهانة و التقزز إلى اسم يثير الرعب و الخوف، نحن إذا لسنا أمام وباء انفلونزا، بل هي غضبة حلوفية، أو ثورة خنزيرية، غير انه لابد أن نشير إلى أن هذه الثورة الخنزيرية ليست هي الأولى من نوعها، بل إن التاريخ حافل بأمثال هذه الثورات الخنزيرية، خاصة الحلوف البشري، و قد جمعها ابا عروف في كتاب أسماه "المختصر في تاريخ الحلوف للعلامة ابا عروف"، و الذي أقدم لكم جزء منه

المختصر في تاريخ الحلوف

ذكر المؤلف رحمه الله:"أن جماعة من الحلاليف كثر تطاولهم على الحرمات، و انتهاكهم الأعراض، و شاع فيهم كل مفسد و خبيث حتى ضاقت بهم بلدانهم، و ملهم جيرانهم، فأركبوهم البحر الأخضر، المجهولة مراسيه، و ساروا يمخرون العباب أياما و شهورا، حتى وطئت أرجلهم أرضا أتاها الله من كل نعمة طرف، و وهب سكانها وداعة الخلق، و لين الجانب، و رقة الطبع، فما كان من الحلاليف إلا أن أعملوا فيهم قتلا و تشريدا من كل جانب، حتى أبادوا منهم 50 مليونا أو يزيدون ...

ثم لما رأى الحلاليف احتقار أمم البشر لهم، و نعتهم بكل مذمة، و مجلبة للعار، اشتعلت حمية الحلوف داخلهم، و راحوا يعلنون الحرب تلو الحرب، و المعركة تلو المعركة، حتى أصبح العالم بين أيديهم صاغرا، و أكابره بين ايديهم أذلة، فهان لديهم كل عزيز، و سما عندهم كل حقير و خنزير، ثم أخذوا ينتقمون ممن نعتهم بالحلاليف فنشروا الفتن، و احتلوا البلدان.

و قد حدثتنا الأخبار عن قصص حلاليف أخر، قد أتوا كل منكر و قبيح، و استحلوا الحرمات، و أهانوا المقدسات، و لعظم فعلهم، و شنيع صنعهم استنكفنا عن الخوض فيه، تاركين للقاريء المتدبر مجال إعمال النظر، و البحث عن تاريخ الحلوف لاستخلاص العبر، فاعتبروا يا أولي الابصار إن غضب الحلوف لشديد". انتهى كلام المؤلف.

المحقق: و في اعتقادنا الشخصي أن هذا الكتاب يكشف بالحجة و البرهان تجذر الغضب الحلوفي في التاريخ البشري، و هو الأمر الذي يجعلنا نذهب إلى الاعتقاد بأن تاريخ البشرية هو في حقيقته تاريخ ثورات خنزيرية، و هو ما أكده كتاب ثان لبا عروف حدد فيه مواصفات الحلوف البشري، و التي سيجد القاريء أنها تنطبق على الكثير من حلاليف التاريخ، و الذي ننشره اتماما للفائدة.

فصل المقال و تقرير ما بين الحلوف و البشر من اتصال

"سأل سائل: يا با عروف ان الحلوف قد تشابه علينا، فكيف السبيل إلى التمييز بين الحلوف الحيواني و الحلوف البشري؟.

با عروف: أما الحلوف الحيواني فنجده في الغابات و الأوحال، يمشي على أربع، و صفته للصغير و الكبير معروفة. أما الحلوف البشري فعلى صفة البشر يكون، يمشي على اثنين، قد تجده في المصلحة رئيسا أو مديرا، و قد تجده في الجامعة استاذا، أما صفاته فهي أنه إذا أؤتمن خان، و إذا وعد نكث، و إذا حلف كذب، هو للحرمات منتهك، و للمحصنات قاذف، و للأعراض بالسوء ذاكر.

من عاداته ركوب الكات الكات في المدن لجهله أنما هذه المركبة صنعت لمن كان على سفر، في صحراء أو قفر، أو طريق وعر، غير أن هذا الحلوف يركب الكات الكات في شوارع المدن الضيقة، و يمشي بها مترنحا، و لثقب الاوزون موسعا. و من شيمه أيضا قصور نظره عن معاناة الدنيا، لا يحلو له ضحك إلا و الناس بها ألم، و لا رقص إلا و الناس في كفن، و لا شبع إلا و الناس جياع، حسبه من الدنيا أن يشبع غرائزه.

و قيل في شيمه أيضا، أن له على الفن حقد، و للجمال بغض، و على العلم نقمة، و عن الدين بعد، فا انظروا يا أولي الأبصار ايكم به شيمة من شيم الحلوف، عسى أن ينصلح حال السائل و المسؤول". انتهى كلام المؤلف.

المحقق: بعدما اطلعت على كتابي العلامة ابا عروف أصبحت مقتنعا أكثر من أي وقت مضى، أن الأمر لا يتعلق بانفلونزا الخنازير، بل هي غضبة خنزيرية الهدف منها اعادة الاعتبار لاسم الحلوف، لذا على منظمة الصحة العالمية أن تبحث عن علاج نفسي للخنازير، و من الأفضل استصدار قرار أممي لمنع اتخاذ اسم الخنزير أو الحلوف كشتيمة، و حبذا ان يهدد منتهك القرار بالوضع تحت طائلة البند السابع، فهذا مما يبعث الراحة في نفس الخنازير، و يدفعها إلى التخفيف من وطأة هجمتها علينا.

ناري راه الحلوف غضب، و غير الله يستر علينا من الجعرة دلحلوف.

يوسف المساتي