أخبار اليوم

الخميس، 23 سبتمبر 2010

مـطـلـعـيـن الـطـوبـيـة

للطوبية معان عدة في لغتنا الدارجة، لكن أشهرها اثنان، الأول يعني نوعا من الآجر يستعمل في البناء، أما الثاني فهو يعني السخرية و الاستهزاء. يبدو إذن أن البون شاسع بين المعنيين، غير أن السياسة الحكومية استطاعت بقدرة قادر أن تجمع بينهما في تدبيرها لقضية السكن في بلادنا.

نعلم جميعا أنه خلال ثمانينيات القرن الماضي توالت سنوات الجفاف على المغرب الأمر الذي سيدفع بالفلاحين إلى هجرة قراهم و الاتجاه صوب المدن، لتظهر بذلك مدن الصفيح، و أحزمة البؤس، و لم تدرك الدولة إلا مؤخرا خطورة مظاهر الانحراف الاجتماعي التي تنجبها هذه الأحزمة، و علاقتها بالتوازنات السوسيواقتصادية، لتطلق مبادرات و مشاريع عدة كان موضوعها السكن اللائق أو الاجتماعي، و هنا تبدأ قصة الطوبية.

في هذه الفترة سيصبح السكن اللائق شعار من لا شعار له، و وسيلة لتحقيق الغنى السريع بفضل الامتيازات التي منحتها الدولة للمنعشين العقاريين أو بمعنى أصح المنهشيـن – من النهش أو الهـيش كما شئتم- العقاريين، الذين حيثما وجدوا بقعة أرض إلا و تسابقوا ليضعوا فوقها الطوبية، و اختلطت الأراضي الفلاحية بأراضي التعمير بأراضي الدولة و اراضي المهاجرين، الكل أصبح صالحا للطوبية، و دخلت مافيات المخدرات على الخط للتمويه عن أنشطتها الحقيقية، و هنا ستبدأ قصة الطوبية بمعناها الثاني.

مكمن الطوبية في هذا الأمر أن الدولة حينما رفعت شعار السكن اللائق أو الاجتماعي، كان موجها للطبقة الفقيرة و الوسطى للاستفادة منه –بحسب ما قيل لنا و الله أعلم- غير أنه و لعوامل عدة لمحنا إلى بعضها -و لم نذكر أغلبها- ارتفعت أسعار العقار بشكل خيالي، بحيث لم يبق له من الاجتماعي سوى الاسم، و مقابل هذا الارتفاع في الأسعار تقلصت مساحات المساكن، حتى لم يبق له من اللائق أيضا سوى الاسم.

هكذا أصبحت مائتا ألف درهم لا تكفي إلا لقفص عفوا أقصد شقة ترفض القردة أن تسكنها،في حين يقوم المواطن المغربي بدفع أكثر من ألف و مائتا درهم شهريا و على مدار عدة سنوات لتسديد ثمن الإقامة فيه، علما أن هذه الألف و مائتا درهم تساوي أكثر من ثلث راتبه الشهري، "واش هذا ماشي تطلاع الطوبية، القفوزا بالثمان و كيقولوا السكن الاجتماعي".

و يحضرني هنا ما سبق أن حدث لوزير السكن احجيرة في مدينة فاس عندما ذهب لتدشين احد الأحياء الجديدة و فوجيء بمهاجمة السكان له و ضربه بالحجارة –أو الطوبية حتى نبقى في صلب موضوعنا- و لكن يبدو أن حجارة سكان فاس لم توقظ احجيرة الإسكان من غفوته، و لم تزل أسعار المنازل ترتفع و مساحاتها تتقلص، و لازال المواطن يتأوه.

أخيرا نقول للدولة و للمنهشين العقاريين:" ابنيوا الطوبية بصاح، و باركة ما اتطلعوا علينا الطوبية، و لا في التالي غادي انرجعوا انسكنوا في الخيام و الغيران، احنا غادي انرجعوا بدائيين ياله، و هاذيك الساعة اشوفوا القرودة إلى ابغاو يسكنوا فهاذاك السكن الاجتماعي ديالكم".

ملحوظة: حتى لا يغضب منا ... و حتى لا نتهم ب.. و ب...، نقول أن العقار بخير و العام زين، راه غير كنا كنطلعوا الطوبية و صافي.

و كل طوبية و أنتم بخير.

يوسف المساتي

ليست هناك تعليقات: