أخبار اليوم

السبت، 26 ديسمبر 2009

لا تتنازلوا .. لا تتنازلوا

من بين السمات الرئيسية التي تطبع تاريخ المغرب هي ذلك الارتباط العضوي بين فكرتي المقاومة و الوحدة، سمة ظهرت في كل المحطات التاريخية للمغرب، انطلاقا من يوغرطة، الذي جابه الاحتلال الروماني، و نجح في توحيد شطر كبير من المغاربة تحت رايته.

و برغم نجاح الرومان في القضاء على حركة يوغرطة، و ايديمون بعده بعقود طويلة، إلا أنهم لم ينجحوا في القضاء على الفكرة في حد ذاتها، لقد عاد نفس السيناريو ليتكرر مرات عدة، بل نستطيع الذهاب إلى القول أن أي نظام سياسي لم يكن ليكتسب شرعيته لولا فكرة المقاومة، و التي تستلزم تبعا لها الوحدة، و لعل هذا ما أدركه يوسف بن تاشفين عندما عبر إلى الأندلس مقاوما العدوان المسيحي، و هو ما سيدركه أيضا المنصور السعدي، ليوجه حملاته إلى بلاد "السودان الغربي".

هذه الفكرة "الوحدة و المقاومة" ستحظر بثقلها في التاريخ المغربي المعاصر، لقد اجتمعت الحركة الوطنية بكل مكوناتها السلفية و اليسارية و الليبرالية، خلف محمد الخامس دفاعا عن وحدة المغاربة، بعد إصدار ما سمي "الظهير البربري". و بعد الاستقلال و برغم الصراع الذي كان على أشده بين القصر و الحركات اليسارية في المغرب، فإن الكل سينتظم في صف واحد خلف الحسن الثاني في قضية الصحراء المغربية.

و اليوم تطل علينا أمينة توحيدر بمواقفها المستفزة، و هي تحاول أن تصنع من نفسها بطلة على شاكلة راجيف غاندي، و نسيت أن غاندي صنع التاريخ لأنه ناضل من أجل الحرية و الوحدة، لا كما تناضل هي من أجل التبعية لعصبة من الجنرالات، و الانفصال عن الوطن الأم الذي توفي والدها و هو يدافع عنه.

قد نختلف مع الدولة المغربية في قضايا عدة، و قد نتحفظ على كثير من سياساتها السياسية، حقل سياسي راكد، إطلاق يد اللوبيات الاقتصادية الكبرى و هو ما أثر على تنافسية المقاولات الصغرى و المتوسطة، قضاء غير مستقل، إعلام يردد أطروحات السلطة بشكل ببغائي، استهداف ممنهج و قاس للصحافة المستقلة، و للمنظمات الحقوقية، تراجع تلو الآخر في مؤشرات التنمية البشرية، و كفاءات تضرب بالعصي أمام قبة ينام داخلها بعض من لم يحصلوا حتى على الشهادة الابتدائية.

لكن هل يعني هذا أن نتخذ موقف المتفرج إزاء ما يحدث؟، هل نكتفي بمتابعة تطورات هذه القضية التي تكالبت فيها الأيادي الخارجية على المغرب، دون أن نفعل نحن شيئا، أعتقد اليوم أنه قد تكون ثمة فرصة مهمة للتأكيد على أن ما يربطنا بالدولة -و بالعرش تحديدا- أكبر من الخلافات في وجهة النظر، أو تحفظاتنا على السياسة العامة، أكبر من ذلك لأنه يهم تاريخ و أرض و وجود هذا الوطن.

إن على من يلعبون بورقة حقوق الإنسان، و حق توحيدر و من على شاكلتها، في التعبير عن أطروحاتهم الانفصالية -في الداخل و الخارج على حد سواء- عليهم أن يتذكروا أن هذا الكيان الانفصالي القائم على جزء من ترابنا، ينطلق من مبادئ عنصرية تشبه إلى حد كبير نفس المبادئ التي قام عليها الكيان الصهيوني، فكلاهما انطلق من نظرية عرقية و عنصرية.

و لأن الشيء بالشيء يذكر، فلا بد أن نشير هنا إلى أنه إذا كان من الواجب علينا أن نقاطع أولئك الذين فضلوا التخلي عن انتمائهم لهذا الوطن لتأسيس "كيان صحراوي"، فإنه من الواجب علينا أن نقاطع أولئك الذين هاجروا من هذا الوطن، و اتجهوا لإقامة كيان عنصري قائم على خرافات توراتية. يجب علينا اليوم أن نقاطع الذين تلطخت أياديهم بدماء الأطفال وفي الأراضي المحتلة، كما نقاطع من يحاصرون أبنائنا في تندوف، و من فرقوا الأسرة الواحدة. إن هذا لا ينفصل عن ذاك، و إن ازدواجية الموقف بخصوص هذه القضية لا يمكن أن تكون مقبولة.

إن الصمت الذي اعترى بعض النخب المثقفة تجاه هذه القضية بالقدر الذي يبدو به غريبا و مريبا، بالقدر نفسه الذي يؤكد للدولة المغربية، أن سياسة الاحتواء و الإقصاء التي قامت بها تجاه النخب المثقفة، و استهداف الصحافة المستقلة و المنظمات الحقوقية، يضر بالدولة نفسها. إن وجود نخبة مثقفة قوية، و منظمات و صحافة مستقلتين عن أطروحات السلطة، لهو الدعامة الرئيسية للدولة في معاركها الوحدوية. اليوم يجب أن تتصالح الدولة مع كل الذين أقصتهم، و حيدتهم، و همشتهم، و فرضت غراماتها الثقيلة عليهم، عليها أن تتصالح مع أولئك الذين قد يختلفون مع أطروحاتها، لكنهم يعشقون هذا الوطن و يدافعون عنه، لا أولئك الذين يتلونون بشكل حربائي من أجل المناصب و الكراسي.

و أخيرا، إن على الخارجية المغربية ألا تتنازل قيد أنملة، فيما يخص هذه القضية، كما فعلت في مرات سابقة. إن أي تنازل هذه المرة سيكون و بحق ضربة قاسية لإحساس الانتماء و المواطنة بداخلنا كمغاربة. لا تتنازلوا و لتجعلوا من قضية أمينة فرصة للمصالحة، و لتقريب المسافة بين الدولة و النخب، بعدما بعد البون بينهما في الفترة الأخيرة، فرب ضرة نافعة، فقط لا تتنازلوا، لا تتنازلوا.

يوسف المساتي

ليست هناك تعليقات: